كتبت – زينب محمد عبد الرحيم
باحثة في الفولكلور والثقافة الشعبية
تتمتع أحجار الفيروز بشهرة كبيرة وتعتبر من أكثر الأحجار الكريمة تداولاً بين حلى الرجال والنساء ولكن النساء يعشقن الفيروز بشكل كبير وذلك بالأضافة إلى أن اللون الفيروزى يشد أعين الناظريين إليه ولأحجار الفيروز مناجم على مستوى العالم ويوجد العديد من أنواع الفيروز منها الفيروز الامريكى , الإيرانى , الصينى ولكن يظل الفيروز المصرى له جاذبيه وطابع خاص وأرتبطت أحجار الفيروز أرتباطاً وثيقاً بأرض سيناء حيث أطلق عليها أرض الفيروز وذلك نتيجة لأحتوائها على أكبر وأهم مناجم للفيروز على أرض مصر , وأرتباط سيناء بالفيروز لم يكن وليد العصور الحالية ولكن هذا نتيجة للتواصل الحضاري بالغ القدم يعود إلى مصر (الفرعونيه) بل وحتى عصور ماقبل الآسرات .
وسنسلط الضوء على مكانة وأسرار الفيروز وأستخداماته العديدة والهامة جداً فى حياة المصريين القدماء , وكيف أستطاع المصرى أن يخطط أول خريطة فى العالم ليحدد عليها مناطق التعدين الهامه فى مصر , وذلك بالإضافة إلى بعثات التعدين الذى قادها الملوك لجلب الفيروز من أرض سيناء لأغراض العمارة والحلى وغيرها من الأغراض الفنية الضرورية , وكل هذه المهام الرائدة الذى قام بها المصرى القديم تثبث بشكل واضح أن المصرى استخدم عقله ووظف قوته ليأسس تلك الحضارة العريقة التى نرى شواهدها حتى اليوم, ولكنه لم يفصل العقل عن معتقداته الروحيه والتى شكلت جزء هام وأساسي فى حياة المصرى القديم فالجانب العملى العقلانى يتجلى فى جوانب الحضاره المختلفة وكذلك الجانب الروحي المرتبط بالمعتقدات والذى فسر المصري القديم من خلالها الظواهر الكونيه وتفسير نشأة الكون فأستطاع أن يدمج رمزية البقرة السماوية (حتحور) بنشأة الكون وشكل السماء ولونها الأزرق وأيضا لون النيل الذى يغلب عليه اللون الفيروزى أزرق مائل للخضره أثناء فترة الفيضان ومن هنا أصبحت حتحور سيدة الفيروز وأصبح حجر الفيروز هو الحجر المقدس المخصص لها ولاستحضار روحها
ان اشراقة حتحور و بهاءها يمكن أن يتخلل كل شيء في الطبيعة و يصل الى أعمق الأماكن وسط
الجبال , بل الى قلب الأرض وسط صحارى سيناء القاحلة قدس عمال المناجم حتحور باعتبارها ربة الفيروز و هو من الاحجار
الكريمة التى تتواجد وسط مناجم النحاس فى سيناء , و هناك أقاموا لها المقاصير .
وصف النص رقم 486 من متون التوابيت ،حتحور بأنها ربة الفيروز التى يتجلى حسنها حين
تنفلق الصخور و حين تنفتح كهوف حتحور و بأنها الربة التي تشرق بلونها الفيروزي في
الأفق الشرقي
كما أقام عمال مناجم النحاس في منطقة العرابة جنوب البحر الأحمر فى عصر الدولة الحديثة معبدا
صغيرا لتقديسها .
تتخلل طاقة حتحور أعماق الأرض حيث المناجم و المحاجر , كما تصعد طاقتها أيضا الى السماء
و فى صعودها تقوم بمد يد العون للأرواح في معراجها السماوي.
وأرتبط الفيروز بطقوس حتحور الخاصة فنجد ان من أهم الادوات الخاصة بهذه الطقوس (قلادة حتحور) وتسمى
(عقد المينيت) وهوعقد ملئ بحبات الفيروز الصغيره جداً التى لضمت جميعها لتشكل عدة طبقات ليصبح عقداً ثقيلاً ويتدلى من جانبه الأخر يد برونزية أو نحاسية .
أستطاعنا أن نفهم تلك الرمزية من خلال الشواهد الآثرية الموجودة فى المتاحف ويوجد نماذج من هذه اليد المصاحبة لقلادة حتحور وقد حفظت فى المتحف المصرى وايضاً نجد هذه القلادة تتجلى على الجدران منذ بداية الآسرات وكانت تظهر حتحور فى هيئة البقرة وهى ترتدى تلك القلادة حول رقبتها وتتدلى اليد النحاسية من الخلف لتحدث توازن فى وضعية القلاده وقد تعمد الفنان المصرى أن يصور تلك اليد وهى تتدلى خلف من يرتدى قلادة حتحور وكأنها علامه ميزتها عن غيرها من القلادات والصدريات .
اما فى عهد الدولة الحديثة ظهر عقد المينيت بكثرة على جدران مقابر النبلاء ووادى الملوك والملكات وذلك نتيجة لتقديس حتحور وطقوسها الهامه وهذه القلادة من شأنها أن تهدأ من روع حتحور عند غضبها عن طريق صوت الشخشخة الذى يحدثه العقد عند تحريكه , من أهم ماقيل فى هذا الأمر (العقيق يتحول إلى فيروز) نص احدى التوابيت من العصر اليونانى وتلك رمزية على تحولات حتحور أثناء غضبها لتصبح سخمت رمز الغضب واللهب ويرمز لها بالعقيق الأحمر , وعندما تهدأ تتحول إلى البقرة الوديعه حتحور ويرمز لها بحجر الفيروز النقى .
وعند الأنتقال إالى الجانب العملى وكيفية استخراج الفيروز وذلك عن طريق التعدين الذى عرفه المصرى القديم من بدايات عصوره التاريخية وهناك مناطق معينه تميزت بمناجم الفيروز وذلك فى الأرض البركانية شمال غرب الإقليم وتشمل كل مواقع الحجر الرملى السيناوى الذى يمتد شمالاً وجنوباً بالقرب من جبل مكتب وسرابيط الخادم كما تقع المناجم فى منطقة الحجر الرملى بين سرابيط الخادم ووادى مغارة الفيروز وبدأ العمل في وادى مغارة الفيروز منذ عصر الدولة القديمة وكان الملك سنفرو من الأسرة الرابعة معروفاً بنشاطه العمرانى فى سيناء حيث أرسل البعثات للتعدين وقد ترك رؤساء البعثات خلفهم ذكرى تلك الحملات على صخور وادى المغارة على مقربه من مناجم النحاس والفيروز الموجودة فى منطقة سرابيط الخادم جنوب سيناء , وقام الملك خوفو ايضاً بقيادة العديد من بعثات التعدين وظهر ذلك بشكل واضح على الصخور وجدران سرابيط الخادم و المعروف بأسم معبد الإلهه حتحور .
وبعد الحصول على الفيروز من المناجم يتم تصنعه على يد الفنانين والحرفيين المصريين حيث كان يتم تشكيل حبيبات الفيروز الصغيرة والدقيقة في أغلب الأحيان بأيدي الأقزام حيث كان لهم شهرة واسعة فى النقش على الحلى بشكل بالغ الدقه به أحترافيه عاليه ونجد العديد من الصدريات و القلادات وقد صُنعت من أحجار الفيروز منها قلادات كانت لأغراض إما طقسية اودنيويه للزينه ومكملات الأناقه او قلادات توضع مع المتوفىّ فى مقبرته لأغراض أعتقادية مثل البعث وأستخدام هذا الحلى فى الحياة الآخرى الابدية , ونجد الكثير من الجعارين و التمائم وقد شُكلت من حجر الفيروز وكان يقتنيها المصرييون ونقش عليها أسم حاملها وبعض التعاويذ للحماية , وكانت ترصع التيجان الملكية بأحجار الفيروز وذلك بغرض الاستعانة بقوة الحجر الكامنة فيه وأيضاً لأن هذا الحجر مرتبط بشكل أساسي بالربه حتحور فأكتسب قدسيته لذلك السبب الأعتقادى .
وعندما نتأمل الحلى الفرعونى الموجود فى المتاحف سنجد ان هذه التصاميم الرائعة والتى تميزت بدقة بالغة من حيث الصنع لازال يعاد الأستعانه بتلك التصاميم المصرية فى تصميم حلى عصرى , بل يلجأ الكثير من المصممين أن يحاكوا ويستلهموا الكثير من الرموز المصرية القديمة داخل تصاميمهم المعاصرة وذلك يتم فى أغلب الأحيان دون تحوير او تغيير فى تلك الرموز بل تستلهم كما هي , مثلما أبدعها المصري القديم من عقله وروحه ووجدانه .