كاسل السياحة والفندقة Written by  أيار 07, 2020 - 686 Views

احترام العلم والعلماء عند المصريين القدماء

Rate this item
(0 votes)

كتب د. حسين دقيل

الباحث المتخصص فى الآثار اليونانية والرومانية

لم يكتفِ المصري القديم بحب العلم والحرص على اكتسابه، بل دعا إلى احترام المتعلم وتقدير العلماء، وأدبياته التي وصلت إلينا من خلال الوثائق البردية، والنقوش الموجودة على جدران المعابد والمقابر، شاهدة على ذلك.

فها هو أحد حكمائهم يُحث على طلب العلم؛ مبينا شرف أن يكون الشخص كاتبا؛ فيقول: أعد نفسك لتكون كاتبا وحاملا لقلم المعرفة، إنها أشرف مهنة وأجدر وظيفة تليق بك وترفع من شأنك وتقربك من المعبودات، إن ما يخطه قلمك سيعيش أبد الدهر، تعلّم كيف تُحرك أصابعك القلم وكيف يحرك عقلك أصابعك، فلا يخط قلمك إلا الحكمة والمعرفة وما ينفع الناس، إن مما يخطه قلمك هو أعظم ميراث وأثمن من إرثٍ في الأرض ناحية الشرق أو مقبرةٍ ناحية الغرب!

وقال آخر: كن كاتبا حتى يُريح عقلك إجهاد جسمك، كن كاتبا لتصبح سيد نفسك، ولا تكن تحت إمرة أسياد كثيرين.

أما الملك "خيتي" ملك أهناسيا فيوصي ابنه "مري كا رع" بمهنة الكتابة فيقول: كن كاتبا، فالكتابة تُعفيك من العمل الشاق، وتصونك من كل أنواع التعب.

في حين أن الحكيم "آني"، يبين لنا - من خلال وصيته لابنه - مدى احترام المصري القديم للمتعلم، وانصاتهم لحديثه، إذ يقول: إذا كنت راسخا في الأدب (أى العلم) فإن الناس ستعمل بكل ما تقوله لهم، ادرس الأدب وضعه في قلبك، يطيب كل ما تقول.

وعن أدب العلم والتعلم، نرى العجب العجاب، فها هو الحكيم "بتاح حتب" ينصح ابنه بعدم الاغترار بالعلم؛ مبينا له أنه لا يوجد من يملك العلم الكامل، فيقول: لا يداخلّنك الغرور بسبب علمك، ولا تتعال وتنتفخ أوداجك لأنك رجل عالم، استشر الجاهل كما تستشر العالِم؛ لأنه ما من أحد يستطيع الوصول إلى آخر حدود العلم، ولا يوجد العالم الذي يبلغ الكمال في إجادته!

ويُكمل لنا تلك الحِكم العجاب؛ الحكيم "عنخ شاشنق" فيتحفنا - كعادته - بتلك الجواهر الثمينة التي يجب على كل متعلم أن يُصغي لها؛ فيقول: قد يستر الصمت حمقا، وآية الحكيم فمه، وإنما يأتي التعليم بعد رُقي الخُلق، ولا تقل إنى عالم، وتفرغ للعلم، واعلم أن رفيق الغبي غبي؛ ورفيق الحصيف حصيف؛ ورفيق الأبله أبله، لا تشاور عالِما في أمر تافه، ولا تشاور جاهلا في أمرٍ جلل، ومن وعى ما تعلمه تفكر في زلاته، وفشلٌ كريم خيرٌ من نصفِ نجاح!

أما الملك "خيتي" فيبين لنا من خلال وصاياه لابنه؛ كيف أن العالِم الحقيقي هو الشخص الذي يمتلك أخلاقا سامية؛ فهو لا يضر الآخرين ولا يؤذيهم، فيقول: إن الرجل الفطِن لا يُهاجمه أهل العلم؛ وهو بفطنته وحسن بصيرته يستطيع أن يتجنب المصاعب فلا يصيبه الضرر ولا يلحق به الأذى.

ويُحث ابنه أيضا على القراءة، والمداومة على الاطلاع على ما كتبه آبائه وأجداده ليتعلم منه، فيقول: اتبع آبائك السابقين الذين سبقوك، انظر؛ إن كلماتهم لا تزال خالدة تنبض بالحياة فيما خلفوه من كتب، افتح الكتاب واقرأ ما فيه، واستفد بعلم أجدادك، واتبع تعاليمهم، تُصبح عالما حكيما مثلهم.

أما الحكيم "أمنموبي" فينصح ابنه "حور ماخر"؛ بالإصغاء إلى العلماء، مبينا له أن النجاح مرتبط بوعيه لما يسمعه منهم؛ فيقول داعيا إياه: أن يفتح أذنيه، ويستمع إلى ما يُقال ويتفهمه؛ حتى يستقر في عقله وقلبه، وأن تكون له منه ذخيرة، وبذلك يكون النجاح من نصيبه.

وها هو أحدهم يُحث ابنه على علو الهمة، ويحذره من الكسل والخمول عند التعلم، فيقول: عندما تتسلم واجبك اليومي لا تكن خاملا، واقرأ بهمة من الكتاب، اكتب بيدك واقرأ بفمك، واطلب النصح ممن هم أنبه منك، لا تكن متوانيا، ولا تقضي يوما في خمول، وتفهم طرق أستاذك، واتبع تعاليمه، لا توجه قلبك نحو الملاهي وإلا هلكت، واستشر من هم أكثر منك علما.

وبعد؛ فيتضح لنا أن قدماء المصريين لم يحرصوا على العلم والتعلم وفقط؛ بل حثوا أيضا على آداب العلم والتعلم التي لا نزال في أمس الحاجة إلى الالتزام بها إلى الآن؛ وخاصة أن الدين الإسلامي والرسالات السماوية السمحة حثت أيضا على تلك الآداب.

من نحن

  •  مجلة كاسل السياحة والفندقة معنية بتوضيح أهمية السياحة فى مصر بصفة خاصة والسياحة فى العالم بصفة عامة وكذلك السياحة الداخلية والفنادق السياحية  
  • 0020236868399 / 00201004734646
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.